قال محمد بودن: الجزائر تبارك "سرا" انضمام إسرائيل للاتحاد الإفريقي...
منذ سنة 2003 كانت إسرائيل قد تقدمت بطلب الانضمام إلى "الاتحاد
الإفريقي" كعضو مراقب، إلا أن طلبها آنذاك قوبل بالرفض بعد اعتراض مصر، غير
أن الحديث عن هذا الموضوع تجدد مع تلميح الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد
العزيز، الذي يشغل رئاسة الاتحاد الإفريقي، إلى إمكانية قبول طلب انضمام
إسرائيل إلى المنظمة الإفريقية كعضو "مراقب".
وبخصوص طلب انضمام إسرائيل إلى المنظمة الإفريقية، والدول التي تزكي هذا
التوجه وتدعمه، قال محمد بودن، الباحث جامعي في القانون العام والعلوم
السياسية، إن النظام الجزائري يعد "نموذجا" في التطبيع السري مع إسرائيل،
وأن التحجج بقطع العلاقات معها ليس سوى تضليل للشعب الجزائري".
تطبيع الجزائر مع إسرائيل
وأشار بودن، في حديث مع هسبريس، إلى أن المعطيات الواردة أخيرا تؤكد
تعامل الجزائر مع إسرائيل "بالوكالة"، من خلال عمليات غير مباشرة لتصدير
الغاز الطبيعي لمصر، ومن خلالها إلى إسرائيل بأسعار تفضيلية، تعتبر تكملة
لجملة من الخطوات الجزائرية التي تم اتخاذها منذ سنة 1993، حينما شبه قادة
عسكريون جزائريون المعركة مع الإسلاميين، بمعركة إسرائيل مع ما أسموه
بالجماعات الإرهابية في فلسطين.
أما التطبيع الرياضي بين الجزائر وإسرائيل في منتصف التسعينيات، فيراه
بودن أنه شكل حدثا مثيرا في الجزائر، حيث كان وزير الخارجية الجزائري
الأسبق صالح دنبري، قد سمح بلقاء الرياضيين الجزائريين لنظرائهم
الإسرائيليين في المنافسات الدولية، فضلا عن لقاء الرئيس الجزائري عبد
العزيز بوتفليقة بالعديد من القادة الإسرائيليين.
وأضاف المتحدث وقائع أخرى من قبيل زيارة وزيرة الثقافة، خليدة تومي
مسعودي، لإسرائيل، ودعوة الأمين العام الحالي لجبهة التحرير الوطني إلى
التخلي عن الدفاع على القضية الفلسطينية، وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهو
نفس الطرح الذي سار عليه حزب التجمع الوطني الديمقراطي حليفه في التحالفات
الرئاسية في أكثر من مناسبة.
وتابع بودن أن "موقف الحزبين المتحالفين من التطبيع وضعته أحزاب
المعارضة الجزائرية في صنف "الخيانات الكبرى"، مبرزا أن "ما يؤكد معطى
التخلي التدريجي للجزائر عن القضية الفلسطينية، هو صفرية مساهمتها في وكالة
بيت مال القدس، وعدم السماح بإقامة مسيرات مساندة لغزة وفلسطين".
وأشار الباحث في القانون العام والعلوم السياسية إلى كون هذه الأحداث
والمواقف لا تندرج في إطار الأحداث المعزولة أو الفردية، بل ضمن ما يمكن
تسميته بسياسة الظل الخارجية للجزائر التي تأكدت في عدة مناسبات" يورد
بودن.
وساق المحلل في هذا الصدد ما عبر عنه السفير الجزائري بمجلس حقوق
الإنسان بجنيف إدريس الجزائري في لقاء سابق بتاريخ 13 ماي 2009 حيث قال
"سأكون سعيدا بأن أضع نفسي تحت تصرف الإسرائيليين فيما يتعلق بجهود نزع
السلاح في منطقة الشرق الأوسط..."، فضلا عن اللقاءات الدورية التي تجمع في
إطار حلف شمال الأطلسي كبار قيادات الجيش الجزائري مع نظرائهم
الإسرائيليين".
وذهب المتحدث إلى أن "هذه السياسة الجزائرية الخفية في التطبيع مع
إسرائيل، تستمر بمباركة الجزائر لانضمام إسرائيل للإتحاد الإفريقي كعضو
"مراقب"، انسجاما مع مواقف حلفائها الأفارقة، الداعمة للانضمام الإسرائيلي،
وتوريط موريتانيا باعتبارها الرئيسة الحالية للاتحاد الإفريقي في هذا
الملف في حالة الموافقة على طلب الانضمام".
تكيف مرحلي وحوافز محسوبة
وأفاد الباحث أن "طلب انضمام إسرائيل كعضو مراقب للاتحاد الإفريقي، يحظى
بدعم كبير من طرف وسطاء دوليين، ودول مؤثرة في القرار الإفريقي مثل
نيجيريا، وجنوب إفريقيا، وإثيوبيا، وكينيا، وتنزانيا، ومباركة دول كثيرة في
الكواليس لهذا الانضمام، من بينها الجزائر.
وينبثق هذا الدعم، يضيف بودن، من المصالح المشتركة التي تربط هذه الدول
والعلاقات التاريخية لبعضها مع إسرائيل، حيث يمتد تاريخ العلاقات
الإسرائيلية ـ الإفريقية إلى أواخر القرن 19، حينما كان التفكير في إيجاد
بدائل للوطن القومي لليهود، حيث كانت هناك اقتراحات قبل انعقاد مؤتمر بازل
بسويسرا سنة 1897 تناقش إمكانية إقامة دولة يهودية في أوغندا، كينيا، أو
الأرجنتين.
ومنذ ذلك الوقت، يتابع المحلل، ظلت إفريقيا مستحوذة على اهتمام التفكير
الإسرائيلي، وتركز إسرائيل بشكل كبير في توجهها الإفريقي على دول حوض
النيل، واللعب على أوتار الخلاف بينها، وتقديم تسهيلات كثيرة لدول المنبع
لإقامة جسور وسدود، والضغط على مصر لإعادة النظر في فكرة مد إسرائيل بمياه
النيل عبر أنابيب بأسعار رمزية في ظل تزايد مشكل المياه بإسرائيل، وهو
الأمر الذي رفضته مصر سابقا".
وسرد بودن مظاهر تحرك إسرائيل في إفريقيا، ومنها زيارات بعض رؤساء دول
إفريقيا إلى إسرائيل بشكل مستمر، وتوقيع اتفاقيات تعاون تعزيز التعاون
الأمني والعسكري، فضلا عن قيام شركات إسرائيلية بالتعاون مع كبريات شركات
تكرير النفط بجنوب إفريقيا، وتوقيع اتفاقيات تهم مجال الطيران والسياحة مع
نيجيريا.
ولفت المتحدث إلى توقيع إسرائيل ونيجريا اتفاقية لتسيير رحلات الطيران
مباشرة بين تل أبيب وأبوجا، وهدف هذه الاتفاقية هو تسهيل زيادة عدد الحجاج
النيجريين الذين يزورون الأراضي المقدسة، وزيادة عدد الحجاج من 20 ألف لنحو
30 ألف كل موسم، وتطوير العلاقات الإستراتيجية مع إثيوبيا وتسوية كل
المشكلات المعرقلة لمسار هذه العلاقة وفي مقدمتها قضية تهجير يهود
"الفلاشا".
واستطرد بأن إسرائيل أيضا تحافظ على ود السلطات الحاكمة في بوروندي
ورواندا منذ تزويد جيشيهما بالأسلحة القديمة دون مقابل مادي لإيقاف هجمات
جماعتي التوتسي والهوتو، علاوة على دورها في السودان وعلاقاتها بجنوب
السودان و دول أوغندا، وإريتريا، وأنغولا التي تعتبر بدورها إحدى أهم محطات
التوغل الإسرائيلي بإفريقيا.
وخلص بودن إلى أن رغبة إسرائيل في الانضمام للاتحاد الإفريقي تنطلق من
منطلقات عدة، من بينها المنطلقان العسكري والأمني، وتلبية احتياجات
الاقتصاد الإسرائيلي من خلال إيجاد أسواق بديلة لتصريف المنتجات
الإسرائيلية، والضغط على مصر والسودان فيما يتعلق بمياه نهر النيل عبر
إدخال مفاهيم جديدة.
وأورد المحلل بعضا من تلك المفاهيم، مثل بورصة المياه، وخوصصة المياه
وتسعير المياه، علاوة على الرغبة في الحصول على دعم وتأييد دول تكتل كبير
في المحافل الدولية، فيما يتعلق بموقف إسرائيل من القضايا المتعلقة بالصراع
في الشرق الأوسط، بما يضمن تأييد وجهة النظر الإسرائيلية وسياستها
الخارجية، والحد من النفوذ الصيني، والتغلغل الإيراني في القارة.

No comments:
Post a Comment