اخر الاخبار

لماذا لم يعلن المغرب حالة الحداد على ضحايا "فاجعة طانطان"؟...

لماذا لم يعلن المغرب حالة الحداد على ضحايا "فاجعة طانطان"؟...

تجدّد النقاش حول حالات إعلان الحداد بالمغرب، بعد فاجعة طانطان الأخيرة التي أودت لحدود اللحظة بحياة 34 شخصًا، إذ طالب بعض النشطاء الحقوقيين ومجموعة كبيرة من مرتادي المواقع الاجتماعية بإعلان حداد وطني منذ صباح الجمعة التي شهد الحادث المروّع، غير أن الدولة لم تستجب للمطلب، وتوقفت البادرة الرسمية في إعلان تحقيقٍ حول ملابسات الحادث والتكفل بمراسيم دفن الضحايا وعلاج المصابين وتقديم السند لعائلاتهم.
المطالب الشعبية بإعلان الحداد على ضحايا حادث أليم بالمغرب لم تبدأ مع ما وقع في طانطان إثر اصطدام شاحنة بحافلة تقلّ الركاب، فقد سبق أن طالب عدد من المغاربة بإعلان الحداد في فاجعة سقوط عمارات بوركون شهر يوليوز 2014 والتي شهدت مقتل 23 شخصًا، وكذلك في فيضانات الجنوب نهاية العام الماضي إثر وفاة 36 شخصًا، كما طالبوا به عام 2012 عندما قُتل 42 شخصَا إثر سقوط حافلة من منعرج تيزي نتيشكا.
وبالعودة إلى دستور المملكة، فلا وجود لمادة بعينها تتناول موضوع إعلان الحداد، كما لا يوجد أيّ قانون تنظيمي أو حتى قانون عادي يُحدد كيفية إعلانه، إذ يبقى هذا الإجراء بمنزلة عُرف في الدولة، تتخذه المؤسسة الملكية تماشيًا مع بعض الوقائع الوطنية والدولية، وتُصدر من خلاله الأوامر بتنكيس الأعلام الوطنية وإقامة صلاة الغائب.
وليس المغرب وحده من لا توجد في دستوره مادة تتحدث عن حالات الحداد، فدساتير مجموعة من الدول الغربية لا تتضمن هذا البند، إذ إن الدستور الإسباني لا ينظم الحداد، وكذلك الألماني والفرنسي والإيطالي والأمريكي. كما أن الكثير من الدول لا تتوّفر على قوانين تنظيمية للحداد، وغالبًا ما يقتصر ذلك على قوانين عادية، حسب ما يؤكده أمين السعيد، باحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس الرباط.
ويضيف السعيد في تصريحات لهسبريس أن القوانين التنظيمية بالمغرب لا تضعها سوى الإطار التأسيسي الذي صاغَ الوثيقة الدستورية، فقد كانت له خيارات محددة وضعَ بموجبها عشرين قانونًا تنظيميًا، غير أن "التوازن التي أضفاه دستور2011 بين سلطات الملك والحكومة، يجب أن يفضي إلى صياغة قانون عادي ينظم حالات الحداد"، يقول السعيد.
ويبرز السعيد أنّ السلطة التشريعية في المغرب لها كامل الحق في إصدار قانون ينظم الحداد، كما أنه لا يوجد ما يمنع أيّ برلماني من التقدم بطلب تنظيم هذه الحالة، فإن كان القانون التنظيمي يحظى بمسطرة تشريعية خاصة تجعله الجزء الثاني من الدستور، فإن القانون العادي يمكن أن يُشرّع ويصادَق عليه إذا لم يتم الطعن فيه من الملك أو رئيس الحكومة أو أعضاء مجلسي النواب والمستشارين.
ويُلفت السعيد أنه من غير المفروض أن يكون تنظيم الحداد في القوانين التنظيمية التي تختص بالقضايا الأساسية، ولكن يمكن سنّ قانون عادي يحدد الجهات التي لها حق إعلان الحداد، وأسبابه، وكيفية إعلانه، ومدته:" النقاش العمومي الحالي حول الحداد يجب أن يدفع البرلمان إلى سنّ القانون، كي لا نتناسى مرّة أخرى هذا المطلب حتى وإن ارتبط بوقائع مؤقتة. ويمكن لهذا القانون أن يتيح حالة إعلان الحداد للملك ولرئيس الحكومة وكذلك لأعضاء البرلمان بغرفتيه".
غير أن المطالب الشعبية بإعلان الحداد "ليست مشروعة دائمًا، ولكنها مشروعة أحيانًا" على حد تعبير عبد الرحيم العلام، باحث في القانون الدستوري، مشيرًا إلى أن "الحداد يبقى مسألة رمزية ولا يمكنها أن تعفي من رفع مطلب المحاسبة والعقاب، لذلك ينبغي أن تنصرف مطالب المواطنين من مجرد الإلحاح على الحداد، إلى المطالبة بتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة".
وليس المغرب وحده من يتعامل بالعرف في إعلان الحداد، إذ يتحدث العلام في تصريحات لهسبريس عن أن بعض التجارب المقارنة تعلن الحداد بشكل عرفي في بعض الحوادث التي تخلّف أثراً كبيرًا في نفوس المواطنين، إلّا أن ذلك لا يمنع المغرب من التوّفر على نص قانوني ينظم عملية الإعلان عن الحداد، ما دام من شأن النصّ طمأنة المواطن بأن الحداد لا يخضع للمزاج السياسي وليس فيه أيّ تمييز.
ويستطرد العلام:" إذا كان من الصعب إصدار قانون ينظم الاعلان عن الحداد، فعلى الأقل ينبغي إخبار المواطنين بالمعايير المعتمدة في هذا السياق، ومن ذلك أن تخبر الدولة المواطنين أن القوة القاهرة المتوقعة التي لا ينتج عنها عدد كبير من القتلى لا تستدعي الاعلان عن الحداد، أو أن الحوادث غير المتوقعة والتي تكون استثنائية وتخلق أثرًا سلبيًا في صفوف المواطنين تستدعي الاعلان عنه".
ولتنظيم أفضل لحالات الحداد، يتحدث العلام:" على الدولة ألّا تحتكر الاعلان عن الحداد في شخص رئيسها، بل يجب أن يفسح المجال في الإعلانات الجهوية أو المحلية أو حتى المؤسسية، كأن تعلن جهة معينة فقط الحداد دون باقي الجهات أو مدينة واحدة دون باقي المدن، أو مؤسسة واحدة دون باقي المؤسسات، كما ينبغي أن يترك المجال لرئيس الحكومة للإعلان عن الحداد في بعض الحالات الداخلية".
جدير بالذكر أن وفاة الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، شهر يناير الماضي، كانت آخر مرة أعلن فيها القصر الملكي الحداد. أما على الصعيد الوطني، فآخر مرة لإعلان الحداد تعود إلى يوليوز 2011، عندما تحطمت طائرة عسكرية تابعة للقوات المسلحة الملكية بالقرب من مدينة كلميم، ممّا خلف مقتل 80 شخصًا.


No comments:

Post a Comment

جميع الحقوق المحفوضة © لملدعم المعلوماتي | تطوير ahmad-web
Theme images by diane555. Powered by Blogger.